خطى واثقة نحو العالمية
أحمد حافظ
«المونتاج هو آخر نسخة معدّلة عن السيناريو وهو الذي
يضبط إيقاع كلّ مشهد»
يعتبر المونتير المصري أحمد حافظ، من القلائل جداً الذين نجحوا فـي استقطاب الأضواء على الرغم من كون عملهم خلف الكاميرات، إلاّ أنّ شغف حافظ بالمونتاج الذي يظهر جلياً فـي مختلف أعماله جعله محطّ إعجاب المخرجين والمنتجين والنقّاد ومحطّ تقدير فـي مهرجانات السينما العالمية.
يتقدّم أحمد حافظ بخطى واثقة وثابتة نحو العالمية فهو اليوم يعمل على مونتاج حلقتين من المسلسل المنتظر بقوة من مارفل Moon Knight.
كما كان حافظ قد نال إشادات دولية عن مونتاج فـيلم اشتباك (2016) من إخراج محمد دياب، الذي افتتح مسابقة «نظرة ما» فـي الدورة الـ69 من مهرجان «كان» السينمائي؛ ووصفته الناقدة الأميركية ديبورا يانغ فـي مجلة هوليوود ريبورتر بأنه «مونتاج سريع وسلس كطلقات نارية». ونال حافظ عن الفـيلم ثلاث جوائز من مهرجان أيام قرطاج السينمائية، جمعية الفـيلم والمهرجان القومي للسينما المصرية، كما قدّم الفـيلم الأردني التركي مسافر: حلب – إسطنبول (2017) ونال عنه جائزة أفضل مونتاج من مهرجان البوسفور السينمائي الدولي فـي إسطنبول.
يُذكر أن حافظ احترف المونتاج فـي سن صغيرة، وخلال أكثر من 20 سنة حافلة بالأعمال المحلية والدولية المتنوّعة فـي صناعة السينما، قدّم النسخة النهائية لأكثر من 20 فـيلمًا ومسلسلاً تنتمي إلى أنواع مختلفة ومن صناعة مخرجين من خلفـيات متنوّعة، ونال أكثر من 15 جائزة محلية ودولية عن أفلامه.
وفـي 2020 عُرض له مسلسل ما وراء الطبيعة للمخرج عمرو سلامة، والمأخوذ عن سلسلة القصص للكاتب الراحل أحمد خالد توفـيق، وهو أول الإنتاجات الأصلية لشبكة نتفليكس فـي مصر. وكان أول تعاون له مع سلامة من خلال فـيلم شيخ جاكسون الذي جاء عرضه العالمي الأول فـي مهرجان تورونتو السينمائي الدولي 2017.
كما أن حافظ كان المونتير لمسرحية «كوكو شانيل» آخر أعمال شريهان والتي شكّلت بالنسبة له تحدّياً كبيراً إذ كان عليه أن ينقل المشهد الى الشاشة دون أن يُفقده هويته المسرحية.
شغف بالمونتاج
مقابلة مميّزة مع المونتير أحمد حافظ، أخبرنا خلالها عن شغفه بالمونتاج كما فصّل لنا أهم محطاته المهنية شارحاً التحدّيات ومتحدّثاً عن طموحه بالتميّز.
فـي البداية لا بدّ من سؤالك عن سبب اختيارك للمونتاج، خاصة وأنّ هذه المهنة لا تلقى البريق الذي يلقاه سواها من المهن التي تدور فـي فلك السينما؟
البداية كانت مع الغرافـيك، كنت قد ذهبت إلى وكالة الأهرام أثناء الإجازة الصيفـية من المدرسة من أجل تعلّم الغرافـيك، لكن بعد أكثر من أسبوع، تعرّفت على غرفة المونتاج، ولفت نظري علاقة الصوت بالصورة، كان هذا سبباً فـي انبهاري، فطلبت أن أتعلم المونتاج.
طوال فترة الإعدادية، كنت أذهب لأشاهد فقط، وذات مرة لم يحضر المونتير، وكانت هناك مهمة بسيطة ولا يوجد أحد للقيام بها سواي. حصلت على الفرصة وقمت بالعمل. انبهار الناس بقدرتي على فعل هذا الشيء وأنا لا أزال طفلاً، هو ما حمّسني للاستمرار فـي هذا العمل.
فـي البداية كنت أعمل فـي الإعلانات والفـيديو كليب، وأول فـيلم عملت عليه كان « 45 يوم» مع المخرج أحمد يسري الذي تعاونت معه فـي كليب من قبل، هو من أصرّ على منحي هذه الفرصة، بالرغم من الشكوك التي كانت حولي لأني لم أعمل فـي السينما كمساعد مونتير على الأقل، لكني استكملت المشروع ونجح الفـيلم فـي النهاية.
يعتقد الكثيرون أن عمل المونتاج هو عمل روتيني بينما يشير شغفك الى أنه عمل فني يضاهي الإخراج والتمثيل. أخبرنا أكثر عن طبيعة عملك؟
المونتاج ليس روتينياً، وأعتقد أن أكثر عبارة يمكن أن أصف بها المونتاج، هي إنه آخر نسخة معدّلة من السيناريو، فـي غرفة المونتاج تتمّ معالجة العمل من أجل استخراج أفضل نسخة ممكنة منه، وعلى المونتير خلال ذلك أن يحصل على الإيقاع المضبوط لكل مشهد، يعرف متى يقطع بالضبط، وأن يختار أفضل لقطة للممثل بما يتناسب مع السيناريو، وأن يجلس فـي غرفة مغلقة مع المخرج لمدة طويلة، يحدث بها نقاش عميق حول كل مشهد، وهو ما يتطلّب أن يكون المونتير منفتحاً لكلّ الآراء، وأن يكون له القدرة على الإضافة الفنية، وفـي النهاية يبقى قرار المخرج هو النهائي.
نلت الكثير من الجوائز عن أعمالك وخاصة عن فـيلم اشتباك أخبرنا أكثر عن تجربتك فـي هذا الفـيلم؟
فـي اشتباك أحداث الفـيلم كانت كلها فـي مكان واحد، كنت أحاول مع ذلك بثّ الإثارة عن طريق الكثير من القطع، وفـي الوقت نفسه ألا يشعر المشاهد بأن المكان واسع، وأيضاً ألا يشعر بالملل أو الضيق أو الاختناق أثناء المشاهدة. هذا الفـيلم خاص جداً بالنسبة لي لأنني حصلت عنه على العديد من الجوائز وسافر الى مهرجانات كثيرة.
حالياً يجول فـيلم أميرة على المهرجانات، أخبرنا عن تجربتك فـي هذا الفـيلم وبماذا تختلف عن تجربتك فـي فـيلم اشتباك؟
أميرة فـيلم فلسطيني جداً وأنا أتشرف بأن أكون مصرياً يعمل فـي مشروع فلسطيني، وبقدر الفخر بالمشاركة فـي الفـيلم، كانت المسؤولية مضاعفة علينا، وهي أن نحاول ألا يفهمنا البعض بشكل خاطئ، فـيجب فـي إطار تخصّصي أن أكون مدركاً ومتفهّماً للأوضاع فـي فلسطين، وما يشعر به أهلها، خاصة أن قصة الفـيلم حسّاسة جداً، والعاطفة هي التي تقود الفـيلم، كنت دائماً أحاول أن أتجنّب القطع فـي أي مشهد، فقط أترك المشاعر تتدفّق عبر الفـيلم للحفاظ على إيقاعه، وأن يتمّ سرد الفـيلم بالكامل بأقلّ قدر ممكن من القطع. إنّه فـيلم حساس ويوجع القلب.
الاختلاف بينه وبين اشتباك، هو أنّ الأحداث فـي اشتباك هي التي تحكم الفـيلم، بينما فـي أميرة، العاطفة والمشاعر هي التي تقودنا.
ما هو الفـيلم أو المسلسل الذي عملت عليه وتعتبره الأقرب الى قلبك؟
اشتباك من الأفلام الهامة فـي حياتي، بفضل الجوائز التي فزت بها عنه والاهتمام الذي حصل عليه دولياً. أيضاً تجاربي مع المخرج مروان حامد فـي تراب الماس والفـيل الأزرق بجزئيه وخاصة تراب الماس لأن طريقة السرد المتّبعة فـيه تعجبني جداً. أما بالنسبة للمسلسلات التي عملت بها والأقرب الى قلبي فأبرزها «فـي كل أسبوع يوم جمعة» و«جراند أوتيل».
قمت بعمل المونتاج لمسرحية اكوكو شانيلب أخبرنا أكثر عن تحدّيات هذا العمل وهل يشبه مونتاج المسرحية مونتاج الأفلام أو المسلسلات؟
كانت تجربة مخيفة، كنّا نصنع عملاً به مزيج بين الدراما والغناء والاستعراض، كنّا نحاول ألّا ينسى الجمهور أنه يشاهد المسرح، بينما نحاول أن ننقل ذلك بطريقة سينمائية، يجب أن يظهر الديكور بشكل واضح، وفـي الوقت نفسه يجب أن أدرك متى يجب أن أقترب من الممثل أو أبتعد عنه. كانت تجربة رائعة، تعلّمت منها وكنت سعيداً بالعمل عليها.
هل من مشاريع جديدة تعمل عليها حالياً؟
أعمل حالياً على مسلسل Moon Knight لـ Marvel Studios وDinsey Plus ومن إخراج محمد دياب حيث أقوم بمونتاج حلقتين. لا أستطيع أن أعبّر عن مدى فخري وسعادتي بمشاركتي فـي مشروع عالمي ضخم كهذا، إنها تجربة لا مثيل لها. لقد قاربنا على الانتهاء حيث من المقرّر أن يعرض المسلسل ابتداءً من30 مارس. ثم سأعود لمصر لاستكمال العمل على فـيلم «كيرة والجن» لمروان حامد المقرّر عرضه فـي صيف 2022.
عملت على مونتاج أفلام ومسلسلات. ومسرحيات هل من تجربة ما زلت تحلم بخوض غمارها؟ وما هي أحلامك ومشاريعك المستقبلية؟
أحلامي هي العالمية، أن يشاهد جمهور العالم كله ما أقوم به. نحن كعرب لدينا القدرة على المنافسة فـي الخارج، نقوم بما يقوم به صُنَّاع السينما فـي كل العالم، أحب أن أكون جزءً صغيراً من العالم العربي الذي يمثّلنا فـي المشروعات الدولية.
هل تنصح الجيل الشاب بدخول عالم المونتاج؟ وما هي النصيحة التي توجّهها لكل من يريد خوض غمار هذه التجربة؟
نعم بالتأكيد، ولكن يجب أولاً على من يرغب فـي ذلك، أن يتحلى بالصبر، وأن يكون حكاءً، وأن يدرك إنه جزء صغير من فريق كبير جداً، وأن يكون مؤمناً بالعمل الجماعي، والأهم هو ألا يتوقّع الشهرة ويضعها فـي رأسه من الأساس، لأن العمل وراء الكاميرا لا يتطلّب ذلك بالضرورة، شهرتك ستكون مع المتخصّصين الذين يقدّرون جيداً ما تقوم به.