أداء بارع فـي كل الأدوار أراس بولوت إينملي «الفن مسؤولية يجب تحمّلها والإحتراف يتطلّب السعي الى الإتقان»
أداء تمثيلي قوي يغوص فـي زوايا الشخصية التي يؤدّيها، فـيصحب المشاهدين فـي رحلة ساحرة داخل القصة تنسينا معالم الممثل الحقيقي وتجعلنا نغرم بكل شخصية يؤدّيها، علماً أنه فـي الكثير من الأحيان يصعب علينا تصديق أن هذا الممثل هو نفسه فـي كلّ هذه الأدوار، نظراً الى قدرته على تقمّص مختلف أنواع الشخصيات.
إنه الممثل التركي أراس بولت إينملي الذي خطف قلوبنا فـي دور «مجد» فـي مسلسل على مر الزمان، ثم أطل علينا بدور الأمير بيازيد فـي مسلسل «حريم السلطان» ليكشف عن ثقل موهبته كما أنه سحرنا فـي شخصية مارت فـي مسلسل «فـي الداخل» وشخصية ياماش فـي مسلسل «الحفرة» وأبكانا أخيراً كما أبكى الملايين فـي فـيلم «معجزة فـي الزنزانة رقم 7» الذي حقّق نجاحاً كبيراً على المستوى العالمي وحاز عنه جائزة أفضل ممثل للعام 2019.
«معجزة فـي الزنزانة رقم7» الأكثر متابعة خلال فترة الحجر
نال فـيلم «معجزة فـي الزنزانة رقم 7» أعلى نسب مشاهدة، ليس فقط فـي تركيا، بل كذلك فـي دول كفرنسا وإسبانيا والبرازيل، وبرع فـيه أراس بولوت بالتمثيل وبإثارة المشاعر الإنسانية، الى جانب نيسا صوفـيا التي تبلغ من العمر تسع سنوات والتي أدّت دور ابنته والتي يمكن اعتبارها بطلة الفـيلم دون أي منازع. وبعد إطلاقه فـي صالات السينما فـي ديسمبر 2019 عُرض الفـيلم على منصة نتفليكس فـي منتصف شهر مارس 2020 خلال فترة الحجر المنزلي، وأثار الكثير من العواطف لدى المشاهد .جاء على سبيل المثال، فـي المرتبة الثانية من نسب المشاهدة على نتفليكس فـي فرنسا، وحصل على تعليقات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، بما فـي ذلك من الموسيقي الفرنسي «دي جي سنيك»، ولاعب كرة القدم البرازيلي «نيمار» وزوجته. وقد إستنتج النقاد، أن المشاهدين لا يبحثون فقط عن التسلية السهلة، بل عن كل ما يثير عواطفهم ومشاعرهم، أكان يولد ذلك الضحك أم البكاء.
ويروي هذا الفـيلم المقتبس عن فـيلم كوري جنوبي يحمل العنوان نفسه، قصة الأب محمد أو كما يطلق عليه فـي قريته ميمو، ويعاني من تخلّف عقلي .يُتهم ظلماً بجريمة قتل طفلة صغيرة، ويدخل السجن وتُمنع عنه زيارة ابنته الوحيدة أوفا؛ وبسبب طيبته يتمكّن من بناء صداقات مع مجرمين كانوا معه فـي الزنزانة نفسها، وساعدوه على رؤية ابنته بتهريبهم لها إلى داخل السجن.
وتدور أحداثه فـي الثمانينيات حيث يُتَّهم ميمو بقتل ابنة أحد الضباط العسكريين، ويصدر فـي حقه حكم بالإعدام، ويُظهِر الفـيلم تسلّط العسكر على الناس فـي تلك الفترة بتركيا، حيث يتمّ إلصاق التهمة بميمو ظلماً وإرغامه على أن يبصم على اعترافه بالقتل رغم أنه ليس بكامل قواه العقلية ولم يعترف بجريمته .ويبدأ الفـيلم فـي عام 2004 لحظة إعلان إلغاء حكم الإعدام فـي تركيا، وتكون أوفا ابنة ميمو أصبحت شابة، واثناء استعدادها لزفافها، تستمع لخبر إلغاء عقوبة الإعدام، وتعود بها الذاكرة إلى قريتها وهي طفلة وتتذكر الجريمة التي اتُّهم بها والدها ظلماً وحكم عليه بالإعدام.
وقد استطاع أراس بأدائه أن يحظى منذ اللحظة الأولى على تعاطف المشاهدين معه والإعجاب بقدراته الهائلة على تجسيد دور شخص لديه إعاقة ذهنية، فاستطاع أن يمزج بين حركة الجسد وتعابير الوجه بطريقة فذة وبارعة، فظهرت قدرة هذا الممثل على التلون والتنوع فـي أدواره. وقد استحق عن أدائه جائزة أفضل ممثل فـي تركيا للعام 2019.
وأصبح الفـيلم الأكثر مشاهَدة فـي تركيا وحقق أرباحاً بقيمة 90 مليون ليرة تركية أي ما يقارب 15 مليون دولار تقريبًا. ودخل أخيراً ضمن المراكز العشرة الأولى فـي نتفليكس بدول أميركا الجنوبية كالأرجنتين والمكسيك والبرازيل وكولومبيا، إضافة إلى فرنسا وإسبانيا واليونان والمغرب وقطر وفنزويلا والدومينيكان وتشيلي ورومانيا وباراغواي.
مسلسل الحفرة نجاح كبير.. وانتقادات عنيفة
وقبل هذا النجاح المنقطع النظير الذي حققه فـيلم «معجزة فـي الزنزانة رقم 7» أثبت أراس بولوت نفسه على مدار ثلاثة مواسم من مسلسل «الحفرة»، الذي حفر اسمه بقوة فـي أذهان الناس، ويؤدّي فـيه أراس شخصية ياماش، وحقّق المسلسل نجاحًا تلو الآخر؛ إذ على الرغم من وجود كل المسلسلات المنافسة له فـي الوقت نفسه لا يزال المسلسل يحافظ على ترتيبه ضمن الأكثر مشاهدة فـي تركيا والوطن العربي، وهناك موسم رابع يجري التحضير له.
ولكن على الرغم من النجاحات التي يحقّقها المسلسل إلا أنه يتعرّض لحملة من الانتقادات الواسعة منذ بداية عرضه، نتيجة تضمّنه الكثير من مشاهد العنف، كما تعرض لعقوبة مالية نتيجة تبنيه مشاهد تضر بالتطور البدني والعقلي والأخلاقي للأطفال والمراهقين.
وتدور أحداث المسلسل الذي يحظى بنسب مشاهدة عالية فـي إطارٍ درامي وجو من الآكشن، حول حي فـي إسطنبول تحت سيطرة عائلة «كوشوفالي»، التي تضع قوانينها فـي الحي حيث لا يمكن النقاش أو المجادلة فـي هذه القوانين، ومن أهم ما يتمّ فرضه على سكان هذا الحي هو عدم المتاجرة بالمخدرات أبدًا، وفـي حال تمّ الخروج عن هذا القانون يطبق العقاب مباشرة.
ولشدّة تأثيره على المجتمع التركي، فقد صرح وزير الداخلية التركي سليمان سويلو فـي وقت سابق وانتقد المسلسل، واصفا إياه بأنه «ملعون» قائلاً: «يوجد مسلسل ملعون يدعى الحفرة، إنه يسمّم أطفالنا، ويسحب شعبنا بعيدًا عن ثقافتهم!».
التمثيل: شغف الطفولة
أراس، من مواليد إسطنبول بتاريخ ٥٢ أغسطس ٠٩٩١. تابع دراساته فـي ثانوية «بشكتاش الأناضول العليا»، وإلتحق بـجامعة إسطنبول التقنية للتخصّص فـي مجال هندسة الطيران. إلاّ أنه لم يفقد شغفه بالتمثيل، وغالباً ما كان يذهب الى المسارح إعتبارًا من الحادية عشرة من عمره، للتآلف مع فنونها.
ينحدر من عائلة فنية معروفة فشقيقه الأكبر «أورتشون» ممثل مسرحي، وشقيقته الكبرى «ياشيم» مهندسة صوت ومضيفة تلفزيونية. وهو غالباً ما يؤكّد بأن عائلته هي أغلى ما لديه، ولا يستطيع العيش بدونها؛ ويسره أن تكون والدته فخورة به.
لم يبلغ الثلاثين من العمر بعد، كما لم يرتبط حتى الآن بعقد زواج. إلا أنه يرتبط بعلاقة عاطفـية مع الممثلة التركية بيغي أونال منذ العام ٥١٠٢، وهي تتسم بالنعومة والجمال، ويعتبر أراس، بأن جمال المرأة يكمن فـي جمال روحها، قبل أي شيء آخر.
لم تبدأ مسيرة أراس إلاّ منذ إحدى عشرة سنة، وإن كان منغمسًا منذ الصغر فـي جو فني رفـيع، وكان يحب تقليد الممثلين، وغالباً ما كان يتم إختياره على صفوف الدراسة للمشاركة فـي المسرحيات المدرسية. ومع ذلك، قد تمكّن من الإرتقاء سريعاً وفـي سنّ مبكرة الى عالم النجومية.
وفـي هذا السياق يعتبر أراس بولوت بأن الموهبة بمفردها لا تكفـي، وبأنه لا بد من أن تقترن بالدراسة والجهد والخبرة والتدريب الدائم، وبأن الفن مسؤولية يجب تحمّلها، وبأنه إحتراف يستلزم السعي دوماً الى الإتقان.
من الإعلانات.. الى بطولة المسلسلات والأفلام
دخل أراس عالم التمثيل من بوابة الإعلانات التجارية وقام عام ٩٠٠٢، بتجربة تمثيلية محدودة، كضيف شرف، فـي إحدى حلقات مسلسل «الشوارع الخلفـية». ألاّ أنه لم يكمل المشاركة فـي الحلقات الأخرى، لأنه كان ما زال فـي التاسعة عشر من عمره، وملتزم تجاه نفسه وتجاه عائلته بإكمال دراسته.
لفتت إطلالاته فـي أحد الأفلام الإعلانية التلفزيونية، نظر المخرجة «زينب غوناي تان»، فإختارته ليقوم طيلة ثلاث سنوات متتالية، إعتباراً من عام ٠١٠٢، بدور «مجد أكارسو»، فـي مسلسل «على مر الزمان» الواسع الرواج، فنجح فـي الإختبار، وتمكّن من تكريس موقع له فـي عالم الفن والشهرة، وإنفتحت أمامه الكثير من الآفاق. خاصة وأنه حصل على جائزة «أفضل ممثل مساعد»، عن دوره فـي المسلسل عام ١١٠٢، عن فئة المسلسلات التلفزيونية.
من أبرز أدواره، تجسيده عام ٣١٠٢ لشخصية الأمير «بيازيد»، فـي الموسم الرابع من مسلسل «القرن العظيم»، الذي حمل فـي العربية اسم «حريم السلطان».
يذكر من بين أعماله التي حصلت على نسبة مشاهدة عالية والكثير من النجاح، مسلسل «مارال: أجمل حكاياتي» فـي العام 2015، حيث أدى دور «سارب ألتان»، الى جانب الممثلة هازال كايا بدور «مارال إدريم».
وفـي عامي 2016 و2017 كان له دور فـي مسلسل بعنوان «فـي الداخل»، المعروف كذلك بـ«قصة الأخوين يلماز»، الى جانب الممثل شاتاي أولسوي والممثلة بانسو سورال.
كما تميّز على مدى أعوام ٧١٠٢-٨١٠٢ و2019 فـي مسلسل «الحفرة» (تشوكور)، بشخصية «ياماش كوشوفالي»، الى جانب الممثل«إركان كولتشك» ومجموعة من النجوم الأتراك، وهو مسلسل يعتبر من قبل الكثيرين، على أنه من أهم الأعمال التي شارك فـي بطولتها، وإن كانت بعض الأصوات القليلة إعتبرت بأنه يحرض على العنف بطريقة أو بأخرى، بالرغم من بعده الإنساني المؤثر. وقد أظهر فـي هذا المسلسل، مقدرة خاصة على الإضطلاع بشخصيات مختلفة. وقد حاز على أدائه فـي فـيه جائزة «أفضل ممثل»، فـي مهرجان «الفراشة الذهبية» السينمائي فـي تركيا عام ٨١٠٢.
ونجاح فـي عالم الأفلام
لم يكن فـيلم «معجزة فـي زنزانة رقم 7»، الفـيلم الوحيد فـي مسيرة هذا الممثل الشاب إذ سبق له أن أدّى دور البطولة فـي الفـيلم التركي-الأذربيجاني «محمود ومريم» عام ٣١٠٢، الى جانب الممثلة الأذربيجانية الفاتنة «إيفا ديدوفا».
وقام فـي العام نفسه، بدور البطولة، فـي فـيلم مؤثر على الصعيد الإنساني، بعنوان «هل نحن بخير؟»، الى جانب «دينيز جليل أوغلو»، جسد فـيه دور «إحسان»، الشاب المعاق، الذي يحاول إقناع شاب آخر تعرف عليه من طريق الصدفة يدعى «تموز»، بقتله وإنهاء عذاباته.
قدرات تمثيلية عالية
إضافة الى جاذبيته وشخصيته الكاريزماتية إلا أن أراس بولت يدين أولاً بنجاحاته لقدراته التمثيلية العالية وقد عبرت عنها الإعلامية «بينار أرغونر» بالقول: «من يشاهده فـي مسلسل «الحفرة»، ثم فـي فـيلم «معجزة فـي الزنرانة رقم ٧»، يمتلكه يقين بأنه من المستحيل أن يكون هو الشخص نفسه الذي قام بهذين الدورين»؛ ما دفع البعض لتلقيبه بـ«الجوكر»، إضافة للقب «القمر» الذي يطلق عليه، نسبة الى محياه المضيء والوسيم. خاصة وأنه إختير «رجل العام» من قبل مجلة «كيو جي» النيويوركية الشهرية المتخصّصة فـي الفن والموضة.
هواياته
أفضل أوقاته هي تلك التي يمضيها مع أفراد عائلته وأولاد شقيقه على ما يقول، خاصة وأن العديد منهم ينتمون مثله الى عالم الفن.
يعشق لعبة كرة القدم منذ الصغر، ويتابع مبارياتها عن كثب، ويجاهر فـي هذا السياق بدعمه لفريق «بيشيكتاس»، الذي يعتبر من بين الفرق الثلاث الأبرز فـي تركيا، والذي يعرف كذلك بفريق «النسور السوداء».
كما يهوى الغناء، بما فـي ذلك الأغاني الفولكلورية والعزف على الغيتار، خاصة وأنه يتمتع بصوت جميل.
السيارات التي تحظى بإعجابه تتنوّع بين «مرسيديس» و«اللاند كروزر» وال «بي إم دبليو»؛ كما أنه يعطف على الكلاب والحيوانات الأليفة.
وهو معروف بشكل عام، إضافة إلى عشقه للعبة كرة القدم، بحرصه على ممارسة الرياضة على مختلف أنواعها، ولا سيما كمال الأجسام، والـ«تنيس»، وكرة السلة، وركوب الدراجات الهوائية والنارية، الى جانب القراءة.