قليل من الفوضى وكثير من التألّق والمنافسة
مهرجان «كان» السينمائي يعود رغم الوباء
بعد غياب قسري فرضه وباء كورونا فـي العام 2020 عادت فعاليات مهرجان «كان» السينمائي الدولي لتنعقد فـي دورتها الـ74 لتشكّل بارقة أمل أو علامة على التجاوز الجزئي للجائحة التي رهنت العديد من الفعاليات الثقافـية والرياضية حول العالم لأكثر من عام. وشهدت دورة هذا العام منافسة 24 فـيلماً ضمن المسابقة الرئيسية، كما إستقطبت بشكل لافت محبّي السينما الذين انتظروا بالساعات للحصول على تذاكر.
على الرغم من التراجع النسبي لتفشّي وباء كورونا بعد الإجراءات الاحترازية واللقاحات؛ فإن بداية المهرجان شهدت إضطرابات واسعة أثارت الكثير من الغضب بين الضيوف. إذ شهد اليوم السابق لإفتتاح المهرجان تعطلاً لمدة ساعة كاملة، لعملية اختبارات كوفـيد-19 فـي موقع المهرجان، وهو ما منع الذين حجزوا مواعيدهم مسبقًا من الانتهاء من الاختبارات فـي الموعد المتوقّع. وتمّ تشغيل المرفق بنجاح طوال باقي اليوم، على الرغم من أن بعض الحاضرين أفادوا بأنهم انتظروا ما يصل إلى ثماني ساعات للحصول على نتائجهم، بدلاً من ست ساعات المعلن عنها.
وكان الحجز عبر الإنترنت للاختبار سلسًا إلى حد كبير، حيث كان بإمكان ضيوف المهرجان جدولة جميع اختباراتهم طوال مدة المهرجان، ولكن على الرغم من حجز الاختبارات فـي فترات زمنية مدتها عشر دقائق، كان هناك حد لعدد الأشخاص الذين يمكنهم التسجيل فـي أوقات محدّدة، ولم يكن الموظفون يتحقّقون من تلك الأوقات، ما سبّب بعض الفوضى، خاصة وأن على الضيوف غير الحاصلين على اللقاح إثبات أن نتيجة اختبارهم لكورونا سلبية فـي مدة أقل من 48 ساعة بشكل مستمر ليستطيعوا حضور الفعاليات فـي الأماكن المختلفة للمهرجان، ما يعني أن عليهم إجراء الاختبار كل يومين طوال فترة إقامتهم، وينطبق ذلك أيضًا على الأشخاص الذين حصلوا حتى على جرعتين من اللقاح، ولكن قادمين من دول خارج الاتحاد الأوروبي، بما فـي ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كذلك كان اختبار كوفـيد-19 الذي يتمّ إجراؤه خلال المهرجان- مختلفًا عن المسحة التقليدية التي يتمّ الحصول عليها من الأنف أو الحلق، بل يتمّ تسليم كمية معينة من اللعاب فـي أنابيب فردية.
تعتبر هذه الإجراءات الاحترازية هي الأشد ما بين المهرجانات السينمائية التي تم إجراؤها منذ انتشار وباء كورونا، فالمهرجانات السينمائية الأخرى التزمت بالتباعد الاجتماعي وإجراء المسحات قبل بدء المهرجان وفـي نهايته، وإقامة حفلات الافتتاح والختام فـي الهواء الطلق ومحاولة إقامة بعض العروض السينمائية فـي قاعات مفتوحة. وبالإضافة إلى الاختبارات التي جرت كل يومين خلال مدة المهرجان ؛ فقد خضع العديد من الضيوف إلى الحجر الصحي مدة أسبوع فـي الفنادق الفرنسية قبل بدء المهرجان، خاصة الملقحين بجرعة واحدة ولم يصابوا من قبل بفـيروس كورونا.
السعفة الذهبية
إفتتح المخرج الفرنسي ليوس كاراكاس مسابقة المهرجان بفـيلمه «أنيت»، وهو كوميديا موسيقية من بطولة ماريون كوتيار وآدم درايفر. وقد كانت المنافسة محتدمة فـي المسابقة هذا العام إذ شارك عدد من المخرجين الذين سبق لهم أن رفعوا السعفة الذهبية، مثل أبيشاتبونغ ويراسيتاكول (السعفة الذهبية عام 2010) بفـيلمه الأول باللغة الإنكليزية خارج تايلاند «ميموريا» والإيطالي ناني موريتي عن فـيلمه «ثلاثة طوابق».
وقد كانت المفاجأة فوز المخرجة الفرنسية الشابة جوليا دوكورنو عن فـيلمها «تيتان». وقد كشفت زلّة لسان رئيس لجنة التحكيم، سبايك لي، وهو أول مخرج أسود يرأس لجنة تحكيم المهرجان، اسم الفـيلم الفائز باكراً، إذ أعلنه بدلاً من إعلان جائزة أفضل ممثل.
وعندما حان وقت الإعلان عن الفـيلم الفائز بالجائزة الأولى اعتذر سبايك لي عن خطئه. لكنه كاد أن يخطئ ويعلن عن فوز «تيتان» مرة أخرى، بدلاً من الممثلة شارون ستون، التي اختيرت لإعلان اسم الفـيلم الفائز بالسعفة الذهبية.
ورغم الكشف عن فوز عملها بالجائزة الأولى، كانت لا تزال المخرجة دوكورنو دامعة العينين عند الإعلان عن ذلك رسمياً.
وتدور أحداث الفـيلم فـي أجواء خيالية ويتناول قصة سفاح. وأثار انقسامًا بين النقاد حيث أشاد البعض بما فـيه من إبداع، بينما انتقده آخرون بسبب أسلوبه الفوضوي.
وبذلك تصبح جوليا دوكورنو ثاني سيدة تُمنح الجائزة المرموقة. إذ كانت آخر مخرجة تفوز بالسعفة الذهبية هي جين كامبيون المولودة فـي نيوزيلندا فـي عام 1993 مع فـيلم «البيانو».
فـي المقابل تقاسم المخرج الإيراني أصغر فرهادي والمخرج الفنلندي جوهو كوسمانين الجائزة الكبرى لمهرجان كان السينمائي، وهي الجائزة الثانية للمهرجان بعد السعفة الذهبية.
وفاز فرهادي بالجائزة عن فـيلم «بطل» الذي يحكي قصة رجل يكشف عن كيس من المال يدفع بعد ذلك إلى سلسلة من المعضلات الأخلاقية، وكوسمانن عن فـيلمه «المقصورة رقم 6» عن رحلة امرأة عبر الاتحاد السوفـياتي فـي الثمانينيات.
وفاز الفرنسي ليوس كاراكاس بجائزة أفضل مخرج فـي مهرجان كان السينمائي عن فـيلمه الرومانسي الموسيقي «أنيت».
نجوم جديدة
نالت الممثلة النروجية رينات رينسفي، الوجه غير المعروف سينمائياً، جائزة أفضل ممثلة عن دورها فـي فـيلم «أسوأ شخص فـي العالم». ولعبت راينسف دور الشابة جولي، فـي العشرين من عمرها، تبحث عن هويتها، وتتأرجح بين علاقاتها العاطفـية.
وفاز الممثل الأميركي كاليب لاندري جونز بجائزة أفضل ممثل عن فـيلم «نيترام»، الذي يروي أحداث مجزرة «بورت أرتور» فـي أستراليا عام 1996.
وقد تعرّض مخرج «نيترام» جاستن كورزل لانتقادات حادّة فـي أستراليا، بسبّب استعادته ذلك اليوم الذي راح ضحيته 35 شخصاً، فـي واحدة من أسوأ حوادث القتل فـي تاريخ البلاد.
لكن عرضه الأول جذب النقاد، وقالت مجلة «فاريتي» إنه يظهر «الاحترام الشديد لكرامة الضحايا».
وفاز اليابانيان هاماغوتشي ريوسوك وتاكاماسا أوي، بجائزة أفضل سيناريو عن فـيلم «قد سيارتي».
ماركو بيلوتشيو يكرّم بالسعفة الذهبية الفخرية
تسلّم المخرج الإيطالي ماركو بيلوتشيو السعفة الذهبية الفخرية خلال حفل ختام المهرجان، وذلك عن مجمل مسيرته المهنية. ويعدّ ماركو بيلوتشيو، البالغ من العمر 81 عامًا، أحد أعظم أساتذة السينما الأوروبية، وكان يتنافس بأفلامه بانتظام فـي مدينة «كان»، ويرى بيير ليسكيور، رئيس مهرجان كان السينمائي، أن ماركو يشكّك دائماً فـي المؤسسات والتقاليد ويحاول تقديم قصص جماعية ومع كل عمل من أعماله، وبشكل غير إرادي تقريبًا، كان يحدث ثورة فـي النظام القائم بشكل من الأشكال.
ويعد بيلوتشيو مخرجًا سينمائيًا وكاتب سيناريو وممثلاً إيطالياً، وتربى فـي بلدة بوبيو الايطالية تربية كاثوليكية صارمة وكان والده محاميًا ووالدته معلمة، وبدأ بيلوتشيو دراسة الفلسفة فـي ميلانو لكنه قرر بعدها الالتحاق بمعهد السينما ليخرج فـيلمه الأول (قبضات فـي الجيب) الذي حاز جائزة الشراع الفضي.
أفلام عربية بارزة
كالعادة كانت الأفلام العربية حاضرة فـي المهرجان هذا العام ضمن فئاته المختلفة وقد كان لافتاً منافسة الفـيلم المغربي «علي صوتك» على السعفة الذهبية وفوز الفـيلم المصري «ريش» بجائزة أسبوع النقاد.
المغرب نافست على السعفة الذهبية
استقبلت السجادة الحمراء للدورة الـ74 لمهرجان كان السينمائي، المخرج المغربي نبيل عيوش وفـيلمه الجديد «علي صوتك»، وهو العمل العربي الوحيد الذي دخل المسابقة الرسمية منافسًا على السعفة الذهبية الأشهر فـي تاريخ السينما.
وقد وصل الثنائي نبيل وزوجته المخرجة مريم التوزاني إلى مدينة «كان» محملين بأجندة مزدحمة بالمواعيد، ولا يتعلق الأمر فقط بعيوش، فقد خبأت المدينة الفرنسية مفاجأة لمريم على هامش فعليات المهرجان، حيث كرمتها جمعية «سيغنيس» السينمائية الفرنسية بجائزة «كروار دي سينما».
مصر تفوز فـي مسابقة أسبوع النقاد
أما فـي قسم «أسبوع النقاد»، فكانت السينما المصرية هي الفائزة مع فـيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيري علماً أن الزهيري سبق له وأن تألق فـي كان فـي العام 2014، حيث كان الفـيلم القصير الثاني للزهيري «ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمّام بالكيلو 375»، هو أول فـيلم مصري يتم اختياره لقسم «سينيفونداسيون» فـي المهرجان.
كان الفـيلم، الذي عُرض فـي المهرجان ولاقى استحسانًا من النقاد، ضمن سبعة أفلام فـي هذه المسابقة التي تركز بالأساس على العمل الأول أو الثاني.
الفـيلم إنتاج مصري فرنسي هولندي يوناني مشترك، وهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه (33 عاما) الذي ساهم فـي كتابته أيضًا. ويمزج الفـيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرّر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فـيحضر ساحرًا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفـي إحدى الفقرات يدخل الأب فـي صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب فـي هيئة دجاجة.
وتستمر مفارقات الفـيلم لتلقي بظلال من النقد الساخر على مشكلات اجتماعية واقتصادية وكذلك أوضاع المرأة المعيلة.
لبنان تونس والجزائر حاضرين فـي المهرجان
الى ذلك شهدت مسابقة «أسبوع النقاد» مشاركة فـيلم «مجنون فرح» للتونسية ليلى بوزيد التي سبق لها أن تميّزت على الصعيد العالمي فـي العام 2015، عندما حصد فـيلمها الأول، «على حلّة عيني»، جائزة فـي مهرجان البندقية السينمائي، ثم اختير فـي العديد من المهرجانات الدولية.
كما نافست المخرجة حفصية حرزي التونسية- الجزائرية، الحاملة للجنسية الفرنسية، فـي مسابقة «نظرة ما» ثاني أهم الأقسام بعد المسابقة الرسمية، بفـيلم «أم طيبة».
وشارك المخرج اللبناني إيلي داغر، المتوج السابق بالسعفة الذهبية لأفضل شريط قصير (2015) بفـيلم «البحر أمامكم» ضمن برنامج نصف شهر المخرجين ونافسه فـي البرنامج نفسه المخرج الإيطالي الشاب من أصل عراقي حيدر رشيد، بفـيلم بعنوان «أوروبا».
جائزة شوبارد لدعم المواهب الشابة
إحتفلت جائزة شوبارد بالذكرى السنوية الـ ٢١ على إطلاقها للمرة الأولى، فاغتنمت المبدعة كارولين شوفوليه التي كانت وراء إطلاق هذه الجائزة الفرصة لتذكرنا: «لطالما التزمنا أنا وعائلتي بدعم التخصّصات والمهن الفنية ورعايتها فـي ورشاتنا، وبفضل مبادراتنا هذه أصبحت دار شوبارد معروفة بدورها الفعّال فـي مجال التدريب، فكان من الطبيعي أن تتسع رقعة اهتمامنا لتشمل عالم السينما. وبهذا الصدد، تتيح لنا جائزة شوبارد لفت انتباه الجمهور إلى ممثلة وممثل تستحق موهبتهما المزيد من الاهتمام والتقدير ليتمكنا من الانطلاق فـي مسيرتهما الفنية. وعلى مدى 20 عاماً، ساهمنا فـي اكتشاف العديد من الممثلين والممثلات الموهوبين، وهو ما نعدّه مصدر فخر كبير للدار وإنجازاً يحثّنا على مواصلة مساعينا لنساهم فـي صياغة مستقبل صناعة السينما».
وتتخذ الجائزة شكل شريط أفلام مصنوع من الذهب المطلي بالفضة ومثبّت على قاعدة زجاجية، صمّمته كارولين شوفوليه شخصيّاً. وعلى غرار جائزة السعفة الذهبية، تصنع جائزة شوبارد أيضاً تحت سقف ورشات دار شوبارد.
ويتم اختيار الممثلين الفائزين بجائزة شوبارد بالتعاون مع مجلة Variety بعد مداولات بين أعضاء اللجنة المتميّزة التي تضم رئيس تحرير المجلة ستيف غيدوس، وكارولين شوفوليه، إلى جانب مختلف الفائزين والرعاة والعرّابين فـي الدورات السابقة لهذه الجائزة، ممن يسعدهم تسليط الأضواء على المواهب الشابة بعد أن استفادوا منها ذات يوم.
ويشكّل حفل تقديم جائزة شوبارد جزءاً أساسياً ضمن الفعاليات الرسمية لمهرجان كان السينمائي، حيث يجري تقديمها خلال أمسية استثنائية يقوم خلالها عرّاب أو عرّابة الحفل بتسليم الجائزة للفائزين. حيث تولى نجوم من أمثال: تشارليز ثيرون وكيت بلانشيت وجوليان مور وزانغ زي وروبرت دي نيرو وشون بن، أمر رعاية الفائزين ومرافقتهم بشكل رمزي فـي مسيرتهم لتحقيق النجاح من خلال رفدهم بخبراتهم فـي هذا المجال، حتى أن بعض من الفائزين السابقين مثل: ماريون كوتيار وديان كروغر أصبحوا رعاة للأجيال اللاحقة، ليعودوا ويلعبوا نفس دور رعاية المواهب الشابة الذي تهدف إليها الجائزة.
أبرز الإطلالات على السجادة الحمراء
بعيداً عن السينما يشكّل مهرجان كان نقطة أساسية للإطلاع على أحدث صيحات الموضة العالمية وأروع أزياء كبار المصمّمين من ملابس ومجوهرات على حدّ سواء، إذ يحرص محبو الموضة على متابعة إطلالات النجوم العالميين على السجادة الحمراء. وهذه لمحة عن أبرز الإطلالات خلال هذا المهرجان الذي امتد 10 أيام وتميّز بعودة التألّق والبريق.
