ChatGPT ثورة فـي التكنولوجيا
تعيد طرح المخاوف من الذكاء الإصطناعي

«جيّد بشكل مخيف» هكذا علّق رائد التكنولوجيا إيلون ماسك على التطوّرات الكبيرة التي يشهدها عالم الذكاء الإصطناعي والتي حوّلته الى منافس قوي للإنسان فـي المجالات الإبداعية! أجل فتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي تخطّت فكرة ابتكار روبوتات ذات وظائف متعدّدة، لتدخل عالم أنظمة الذكاء الإصطناعي التي تعتمد على الشبكات العصبية الاصطناعية (ANN)، التي تحاول محاكاة الطريقة التي يعمل بها الدماغ من أجل التعلّم. كما يمكن تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية على التعرّف على أنماط المعلومات بما فـي ذلك الكلام أو البيانات النصية أو الصور المرئية وهي الأساس لعدد كبير من التطوّرات فـي الذكاء الإصطناعي خلال السنوات الأخيرة.

الصعود القوي لبرنامج ChatGPT وهو واحد من روبوتات المحادثة الأكثر شهرة وتقدماً اليوم، أعاد الى الواجهة الكثير من المخاوف والتساؤلات القديمة الجديدة عن مدى خطورة الذكاء الإصطناعي… وهل سيتوصل الإنسان الى ابتكار آلة تفوقه ذكاءً؟

روبوت يكتب النصوص ويفهم التهكّم
برنامج ChatGPT هو عبارة عن روبوت محادثة مبني على نموذج لغة كبير يمكنه إخراج نص يشبه عمل الإنسان وفهم الاستعلامات المعقدة. تمّ إطلاقه فـي 30 نوفمبر 2022، وبحلول يناير 2023، كان لديه 100 مليون مستخدم، أي بنمو أسرع من تيك أو إنستغرام.
وحصلت شركة OpenAI التي تقف وراء التطبيق، ولا تزال تعمل على تطويره، على استثمار بقيمة 10 مليارات دولار من مايكروسوفت، فـي حين أن شركات «التكنولوجيا الكبيرة» الأخرى مثل غوغل لديها برامج منافسة خاصة بها ولكنها غير متاحة لعامة الناس بعد.
يتفاعل برنامج Chat GPT3 مع المستخدم من خلال الحوار عن طريق كتابة على الموقع الإلكتروني الخاص به، وهو يعمل وفق آلية «تعلم الآلة»، لكن ما يظهر على السطح منه يبدو أشبه بقمة جبل الجليد!
البرنامج من إنتاج شركة OpenAI التي تأسست عام 2015 بمشاركة كل من إيلون ماسك وغريغ بروكمان وإيليا سوتسكيفر ووجسيخ زاريمبا وسام التمان. والبرنامج هو أحدث نماذج تعلم الآلة، وهو يخضع لإشراف دقيق للغاية لتطوير اللغة التي يستجيب بها لطلبات المستخدمين من خلال ما يسمى يتقنيات التعلم التعزيزي Reinforcement Learning Techniques، أو التعلم المعزّز  من ردود الفعل البشرية. بالتالي فهو يتيح الحوار ويجيب على الأسئلة، كما أنه يعترف بأخطائه ويرفض الطلبات غير الملائمة.
وإلى الآن يكتفـي ChatGPT بالردود المكتوبة، ولا يقوم بإنتاج مواد صوتية أو بصرية، وذلك على عكس نماذج أخرى شهيرة منها Sophia the  Robot وأيضاً منشئ الصور Dall-E، إلاّ أنه يعتبر ذو قدرة خارقة مقارنة بكل برامج الذكاء الإصطناعي من حيث فهمه العميق للغة المكتوبة والمنطوقة، الأمر الذي يمنحه نطاقًا واسعًا للغاية من القدرات، بدءًا من كتابة تعليقات على القصائد الشعرية، مروراً بنظريات العوالم الموازية وصولاً إلى شرح ميكانيكا الكم بعبارات بسيطة أو كتابة أوراق بحثية ومقالات كاملة.
ويقول مستخدمون إن البرنامج استجاب لطلبات خاصة بكتابة الموضوع بشكل ساخر وأنه يستطيع فهم الكثير من الأمور المعقدة الواردة فـي الأسئلة وأن قوته الحقيقية تكمن فـي سرعة استجابته وفهمه للغة المستخدمة فـي الأسئلة بشكل مثير للإعجاب، منتجاً مقالات كاملة بأسلوب جيد للغاية، لكن آخرين قالوا إن هناك بعض الموضوعات مثل الأحداث العالمية الأخيرة أو الموضوعات التي لا يوجد بشأنها الكثير من المعلومات والتي قوبلت من جانب البرنامج بإنتاج مقالات أو ردود خاطئة أحياناً ومشوشة فـي أحيان أخرى.
أيضاً، وبحسب تجارب مستخدمين، فإن البرنامج يمتنع عن الإجابة عن الأسئلة عندما تشكّل الردود نوعاً من الخطر سواء للسائل أو للمجتمع بوجه عام، ويتوقف حينها عن المساعدة فـي مثل هذه الطلبات الخطرة، بل إنه يوقفك عن طرح مزيد من الأسئلة بشأن تلك الموضوعات «الضارة».
قد يبدو الأمر فـي ظاهره بسيطاً.. برنامج تطرح عليه الأسئلة فـيقوم بالبحث ويعود إليك بالنتائج بسرعة… لكن تقنية القيام بذلك أكثر تعقيدًا مما قد تبدو عليه.

ماذا نتوقّع من GPT5
على الرغم من أن Chat GPT3 لا يزال جديداً، إلاّ أن شركة OpenAI طرحت فـي مارس الماضي نسخة محدّثة منه Chat GPT4 وهي تعمل على تحسينات مستمرة ومن المتوقّع الآن إصدار التحديث الكبير التالي.
وقبل الحديث عما هو متوقّع من GPT-5، من المهم التوقف عند أبرز ميزات البرنامج الحالي والذي لديه قدرة على دعم الإدخال المتعدّد الوسائط، ما يعني أن برنامج الدردشة الآلي يمكنه الآن تلقي المعلومات من خلال طرق إدخال مختلفة، مثل النصوص والصور. بالإضافة إلى ذلك، أدى التحديث أيضًا إلى تحسين أداء ChatGPT فـي عدة مجالات، مثل قدرته على اجتياز الاختبارات وقدرته الأفضل على دعم لغات متعدّدة. ومن المتوقّع أيضًا أن تطلق OpenAI مكونات إضا فـية تسمح لـ ChatGPT بالوصول إلى الإنترنت فـي الوقت الفعلي.

مع استمرار تحسن ChatGPT، يتساءل الكثيرون عما إذا كان هذا التحديث سيؤدّي إلى وصول روبوت المحادثة إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI) . يشير الذكاء الإصطناعي العام إلى روبوتات المحادثة وأنظمة الذكاء الإصطناعي الأخرى التي يمكنها فهم أي مهمة أو مفهوم بنفس طريقة الإنسان. بعبارة أخرى، بمجرد تحقيق الذكاء الإصطناعي العام ، لن يمكن تمييز روبوتات المحادثة عن البشر.
على الرغم من أنه من غير المعروف ما إذا كانت GPT-5 ستصل إلى الذكاء الاصطناعي العام، يعتقد العديد من الخبراء أنها ستكون ترقية مهمة، فمع كل تحديث جديد ، يقترب ChatGPT أكثر فأكثر من AGI.

نماذج أخرى من الذكاء الإصطناعي
صحيح أن GPT-4 قد صنع اسمًا لنفسه من خلال قدراته اللغوية الآخذة فـي التطوّر باستمرار، إلاّ أنه ليس الذكاء الاصطناعي الوحيد القادر على القيام بذلك. تصدّر نموذج LaMDA من غوغل عناوين الصحف عندما طُرد مهندس من غوغل لأنه وصفه بأنه «واقعي للغاية لدرجة أنه اعتقد أنه لديه وعي شخصي منفصل وخاص به وليس مجرد برنامج».
هناك أيضًا الكثير من الأمثلة الأخرى أحدها من إنتاج أمازون وآخر من إنتاج جامعة ستانفورد ، وحظيت جميعها باهتمام أقل بكثير من OpenAI أو Google LaMDA لكنها لم تكن بهذا القدر من التطور الذي يتمتع به GPT-3، كما أن معظم هذه النماذج غير متاحة للجمهور، لكن OpenAI بدأت فـي عمل ذلك حتى خلال مراحل الاختبار الأولية، فـيما يتوفر LaMDA من غوغل لمجموعات محددة وبقدرات محدودة بهدف الاختبار.

ومما لا شكّ فـيه أنّ تطوّراً سريعاً حدث السنوات الثلاث الأخيرة، وزادت قدرات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير. وقد بدأ هذا التطوّر بالتبلور مع
 Chatbot-GPT وهي الخدمة التي أطلقت آلاف المقالات الإخبارية ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اختبر الصحافـيون والخبراء قدرات الذكاء الإصطناعي والتي كانت نتائجها غالباً مذهلة.
كذلك وقف Chatbot-GPT أمام الجمهور على خشبة المسرح وخاطبهم مباشرة، بنفس اسلوب الممثل الكوميدي الراحل جورج كارلين حول فشل بنك وادي السيليكون. كما نظّر فـي اللاهوت المسيحي وكتب الشعر…

ونجحت برامج أخرى للذكاء الاصطناعي، مثل Dall-E، فـي إنتاج لوحات مقنعة، لدرجة أنها أثارت الجدل حول عرضها للبيع على مواقع الويب الفنية. لقد بلغت هذه الآلات مرحلة الإبداع ولو ظاهرياً.

هل نحن أمام موجة كبيرة من البطالة؟
ذكر تقرير صادر عن بنك الاستثمار غولدمان ساكس، إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل خلال الفترة المقبلة.
وبحسب التقرير فإن تقنيات الذكاء الإصطناعي ستقوم بمهام ربع الوظائف فـي الولايات المتحدة وأوروبا، لكن هذا قد يعني أيضاً وظائف جديدة وانتعاشًا فـي الإنتاجية.
وفـي النهاية قد يؤدّي هذا إلى زيادة القيمة السنوية الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة عالمياً بنسبة 7 فـي المئة.
ويقول التقرير إن الذكاء الإصطناعي، القادر على إنشاء محتوى مشابه بصورة كبيرة لما ينتجه البشر، يمثّل «تقدمًا كبيرًا».
وتحرص الحكومة على تشجيع الاستثمار فـي الذكاء الاصطناعي فـي بريطانيا، والذي تقول إنه «سيؤدّي فـي النهاية إلى زيادة الإنتاجية عبر الاقتصاد»، وقد حاولت الحكومة طمأنة الجمهور بشأن تأثيره.
وقالت وزيرة التكنولوجيا ميشيل دونيلان، لصحيفة صن البريطانية: «نريد التأكد من أن الذكاء الاصطناعي يكمل الطريقة التي نعمل بها فـي بريطانيا، ولا يعمل على تعطيلها، ما يجعل تو فـير وظائف أفضل، بدلاً من التخلص من الموظفـين».
ويشير التقرير إلى أن تأثير الذكاء الإصطناعي سيختلف بحسب القطاعات المختلفة التي يعمل بها، حيث يمكن استخدامه لإنجاز 46 فـي المئة من المهام الإدارية و44 فـي المئة من المهن القانونية، لكن هذه النسب ستتراجع فـي قطاع البناء إلى 6 فـي المئة فقط و4 فـي المئة فـي قطاع الصيانة».
وذكرت بي بي سي نيوز فـي وقت سابق، أن هناك مخاوف لدى بعض الفنانين من أن توليد الصور بالذكاء الإصطناعي قد تضر بمستقبل عملهم.

هل تسود الآلات عالمنا يوماً ما؟

منذ عقود خلت وإلى اليوم، يتعاظم الخوف البشري من تنامي قدرات  الذكاء الإصطناعي  AI (Artificial intelligence) وتخطّيه حدود فهم الإنسان الذي قام بصنعه.
 فـي هذا السياق أُنتجت العشرات من أفلام الخيال العلمي وكُتبت مئات الكتب والمقالات، محذّرة من السيطرة «الوشيكة» لهذه البرامج على العالم، وليس ببعيد عنا ما حدث فـي  مجال الأدب والفن والرسم  وكيف اخترقه هذا النوع من البرامج.
كلما ذكر «الذكاء الإصطناعي»، ذُكرت معه «المعايير الأخلاقية» و«المخاوف من تعدي الحدود». ويدرك خبراء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي مدى حساسية أن توضع تقنية شديدة التقدم وسريعة التطوّر بهذا الشكل بين أيدي الجمهور بلا حساب أو رقابة، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من مشكلات متعددة، خاصة إذا ما تُرك المجال أمام البرنامج لتعليم نفسه بنفسه دون مراقبة من القائمين على تشغيله وتطويره.نظرًا لأن النظام يتمّ تدريبه بشكل أساسي من خلال المواد الموجودة على الإنترنت، فإنه يمكنه التعرف على التحيزات والصور النمطية والآراء العامة، ما يعني أنك قد تجد أحيانًا نكاتًا أو صورًا نمطية حول مجموعات معينة أو شخصيات سياسية بناءً على ما تطلبه.
كما أن تغذية البرنامج من خلال مواد الإنترنت قد يتسبب مع الوقت فـي ترسيخ صورة معينة عن مجموعات أو أقليات بعينها، كما قد يتسبب التعرض المستمر للأخبار الكاذبة والزائفة ونظريات المؤامرة فـي مشكلات تتعلق بطبيعة المخرجات التي ينتجها البرنامج.
ولهذا السبب ولغيره، وضعت OpenAI تحذيرات لما يطلبه المستخدمون من البرنامج. فلو أنك سألت مثلاً عن كيفـية التنمر على شخص ما، سيتم إخبارك بأن التنمّر أمر سيء. ولو سألت عن قصة دموية، سوف يغلق النظام مساحة الدردشة معك، وينطبق الشيء نفسه على الطلبات الخاصة بتعلم كيفـية التلاعب بالناس أو صنع أسلحة خطرة.
وكان الملياردير الأميركي إيلون ماسك ومجموعة من خبراء الذكاء الإصطناعي ومديرون تنفـيذيون دعوا فـي رسالة مفتوحة إلى التوقّف لمدة 6 أشهر عن تطوير أنظمة أقوى من روبوت الدردشة (تشات جي.بي.تي-4) الذي أطلقته (أوبن إيه.آي) فـي الآونة الأخيرة، مشيرين إلى المخاطر المحتملة لمثل هذه التطبيقات على المجتمع.
خاصة وأن التنافس بين شركات التكنولوجيا العملاقة على تطوير أدوات الذكاء الصناعي هذه بات على أشدّه.
فقد دخلت شركة غوغل السباق الشهر الماضي بالإصدار العام لروبوت الدردشة الخاص بها (بارد)، سعياً لجذب المشتركين والحصول على ردود فعل على البرنامج الذي تخوض به غمار المنافسة مع (تشات جي بي تي) المدعوم من منافستها مايكروسوفت فـي عالم الذكاء الصناعي.
تصف غوغل (بارد) بأنه تجربة تسمح بالتعاون مع الذكاء الإصطناعي التوليدي، وهو تقنية تعتمد على البيانات السابقة لإنشاء المحتوى بدلا من مجرد التعرف عليه وتحديده.
من جهته قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إنه لم يتضح بعد ما إذا كان الذكاء الصناعي ينطوي على مخاطر، لكنه شدّد على أن شركات التكنولوجيا تتحمّل مسؤولية ضمان سلامة منتجاتها قبل الإعلان عنها.