تاريخ الإختراعات من العجلة إلى الحرف والطائرة والحاسوب …
تتوالى الإختراعات في القرون الحديثة بوتيرة متسارعة لم تكن لتتخيّلها الأجيال السابقة. البعض يعتبرها تطورًا مذهلاً لخير البشرية جمعاء، والبعض الآخر يقلق من إمكانية إستعمالها إنتقائيًا لعمل الشر في غياب الضوابط الأخلاقية والروادع القانونية الكافية؛ أو يتوجّس من أن يفقد الإنسان يومًا سيطرته على الآلة التي إخترعها، فيصبح أسيرها، لا بل ضحيتها.
هذه الإختراعات المتسارعة في العصر الحديث، لم تكن لترى النور لو لم تحصل في التاريخ القديم إختراعات تأسيسية، من العجلة، الى الحرف، الى الآلة الطابعة، وصولاً في العصور الحديثة الى السيارة والطائرة والهاتف والتلفاز والديناميت والذرة والحاسوب والإنترنت، إلى ما هنالك من الإختراعات التي باتت تطاول مختلف شؤون الحياة؛ وذلك بموازاة إستمرار السعي لتطوير الذكاء الإصطناعي ولغزو الفضاء وإستعمار كواكب أخرى مؤاتية للحياة.
سنسعى للإضاءة تباعًا على أبرز الإختراعات التي طبعت تاريخ البشرية، وفتحت أمامها آفاقًا يصعب تصور مداها، أو التنبؤ بحدود ما ستوصلنا إليه؛ مع العلم أن الإنسان بقي متخلفًا لغاية الآن، في إختراع آليات فعالة لتلافي الحروب وحل الخلافات بالطرق السلمية، وحماية البيئة، وترسيخ ثقافة العدالة والسلام، بالرغم مما حصل من تقدّم على المستويين التكنولوجي والعلمي .
ونبدأ مع إختراعات التاريخ القديم، ومعظمها حصل في بلاد الرافدين ومصر وبلاد الشام ومنطقة الشرق الأوسط موئل الحضارات، وننتقل لاحقًا الى إختراعات الألفيتين الأولى والثانية م، على أن نوجّه الضوء أخيرًا الى ما تشهده بدايات الألفية الثالثة من إختراعات، أو ما تسعى لتحقيقه من إنجازات؛ علماً بأن الإكتشافات تسهّل عملية الإختراع، والإختراع يمهدّ الطريق بدوره لإختراعات جديدة أكثر تقدّمًا.
إختراعات العصور القديمة
تركّزت إختراعات الإنسان في العصور الأولى على ما يمكن أن يحميه، أو أن يوفّر له مصادر غذاء متنوّع، من حصيلة الصيد أو الزراعة، وليس فقط من خيرات القطاف .
في العصر الحجري إخترع الفؤوس من طريق صقل الصخور وتشذيب العظام وقرون الحيوانات، ثم بدأ في العصور اللاحقة بصهر وإستعمال آلات وأدوات مصنوعة من النحاس، ثم من البرونز، وبعدها من الحديد ومعادن أخرى، وتحسين فعالية الأقواس والسهام والرماح، وإستخراج مصادر النار من طريق حك حجر الصوان بحجر من نوع آخر، والتحكّم بإستمرارية إتقاد هذه النار والمحافظة عليها. وإخترع من بعدها المناجل والمعازق، وإستعمل جلود الحيوانات وفرائها لصناعة الملابس، كما إبتكر الأبرة من العظام، وإخترع المغازل لغزل الخيوط المأخوذة من النبات ونسجها في الأقمشة.
العجلة ٠٠٥٣ ق.م.
الإختراع الأبرز للبشرية
يتوافق العلماء على أن أحد أبرز الإختراعات في تاريخ المجتمعات البشرية ألا وهو العجلة، التي يعود إختراعها الى حدود العام ٠٠٥٣ ق.م في سومر في بلاد الرافدين.
صنعت من الخشب والطين ثم من المعدن، وفي عصور لاحقة غُلّفت بالكاوتشوك أو صُنعت منه.
أفسحت العجلة في المجال لإبتكارات تطبيقية متعدّدة، منها وضع العربات خلف الأحصنة للتنقّل والتواصل مع الغير بصورة أسهل وأسرع، أو للإستعمال في المعارك والحروب ،أو لتحسين ظروف إستصلاح الأراضي الزراعية التي كانت تجري بواسطة المحراث ، أو لسحب الماء من الآبار بواسطة حبال ملفوفة حول دواليب، إضافة لإستعمالات حجر الرحى الدائري لطحن الحبوب، والإستعمالات اللاحقة الأخرى في طواحين الماء والهواء .
الحرف ٠٠٢٣ ق.م
تم إختراع الحرف وطرق الكتابة بصورة متدرّجة وفي مناطق مختلفة، أبرزها الخط المسماري الذي يُكتب بشكل رمزي تخطيطي، يعبّر عن الأفكار والأصوات، وقد إخترع من قبل السومريين في بلاد الرافدين في حدود العام ٠٠٥٣ ق.م ، وساهم في بلورة كتابات عديدة أخرى، والهيروغليف في مصر في حدود العام ٠٠٢٣ ق.م، والأحرف الصينية التي برزت في منتصف الألفية الثانية ق.م.
أما الأبجدية فقد إخترعت من قبل الفينيقيين في حدود العام ٠٠١١ ق.م .،على شواطىء المتوسط، وهي تتشكّل من ٢٢ حرفًا ساكنًا. تفرّعت أو أقتبست عنها لغات شرقية عديدة، وإعتمدت من اليونانيين (ثم من اللاتين)، بعد أن أضيفت إليها حروف علة متحركة في حدود القرن التاسع ق.م . وهكذا أتت كلمة «ألفابيت» في الإنكليزية والفرنسية، نسبة الى حرفي الـ«ألفا» وال«بيتا»، المنبثقين بدورهما من الـ»ألف» والـ«باء».
الساعة ٠٠٥١ ق.م.
إلاّ أنه من المتفق عليه أن الساعة الشمسية الأولى إستعملت من قبل البابليين والمصريين، وأن السومريين إستعملوا قاعدة الساعة المقسّمة الى ٠٦ دقيقة والدقيقة المقسّمة الى ٠٦ ثانية. أما الساعة المائية فقد ظهرت في مصر وبلاد الرافدين في حدود العام ٠٠٥١ ق.م؛ علمًا بأن العلماء العرب، ومنهم الجزري وتقي الدين محمد بن معروف، قاموا بتطوير الساعات المائية والميكانيكية في مراحل لاحقة، قبل توالي إختراع أنواعها المختلفة عبر القرون،وخاصة إعتبارًا من منتصف القرن التاسع عشر )يمكن مراجعة كامل موضوع «تاريخ الساعة، من الساعة الشمسية الى الساعة الإلكترونية» على موقعنا).يصعب تحديد تاريخ إختراع الساعة بشكل دقيق. فقد تطور إختراع الساعات، من الشمسية الى المائية الى الرملية الى الميكانيكية الى الإلكترونية، بتواريخ مختلفة.
الورق ٠٠٠٣ ق.م
إستُعمل ورق الـ«بابيروس» المشتق من النبتة المعروفة بالـ«سيبيروس بابيروس»، للكتابة من قبل المصريين في حدود العام ٠٠٠٣ ق.م، بالحبر وبخطوط كتابة متطوّرة ومشتقة من الهيروغليف، كبديل عن النحت على ألواح طينية أو من المرمر، وذلك بالتزامن مع إنجازاتاهم الأخرى، ومنها بناء الأهرامات بتقنيات هندسية متقدّمة .
ويعزى إختراع الورق بطرق مختلفة الى الصينيين، في حدود القرن الخامس ق.م، وقد تمكّنوا من تحسين نوعيته في حدود الـ٠٥٢ ق.م ، وطوره وإستعمله العرب إعتبارًا من نهاية القرن الثامن، حيث أن مكتبة قرطبة في الأندلس كانت من أغنى المكتبات في القرن العاشر، وإنتشر الورق من الجزيرة العربية بإتجاه أوروبا .
المنجنيق ٥١٢ ق.م.
يعود الى العالم اليوناني «أرخميدس« (سبق أن عاش فترة من حياته في الإسكندرية)، فضل إختراع منجنيق متطور يسمح بإطلاق حجارة كبيرة الحجم الى مسافات بعيدة تصل لغاية ٠٠٤ متر، ما مكّن أهل سيراكوزا في حدود العام ٥١٢ ق.م، من قصف البواخر الحربية الرومانية المهاجمة وردعها لفترة طويلة. إلاّ أن القوات الرومانية عادت وتمكّنت من دخول جزيرة صقلية بالحيلة، فحصل أن قتل أرخميدس بالخطأ من قبل أحد الجنود الرومان، خلافًا لتعليمات قادته .
ومع ذلك، فهناك من يعتبر بأن اليونانيين إخترعوا أحد أشكال المنجنيق قبل ذلك، في العام ٩٩٣ ق.م.
والواقع أنه تمّ إختراع عدة أنواع من المنجنيق من قبل شعوب أخرى، ولا سيما من قبل الصينيين
في القرن الرابع ق.م، ومن قبل الرومان لاحقًا في القرن الأول ق.م ، بعد أن وضعوا المنجنيق على دواليب لتسهيل عمليات نقله وإستعماله؛ كما عرفته الجزيرة العربية عن كثب في القرن الأول للهجرة .