مقتطفات مختارة من الشعر العربي القديم والحديث
طرفة بن العبد- العصر الجاهلي
الوقوف على الأطلال ووصف خولة
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
…
وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها
عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ لَم يَتَخَدَّدِ
وَإِنّي لَأَمضي الهَمَّ عِندَ اِحتِضارِهِ
بِعَوجاءَ مِرقالٍ تَروحُ وَتَغتَدي
جرير- العصر الأموي
“أقلي اللوم”
من أشهر قصائد جرير الهجائية، هجا فيهاها راعي الإبل وقومه بني نمير، على إثر مشاحنة قامت بينه وبين الراعي وإبنه جندل
أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا
وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا
أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ
وَحَيّاً طالَ ما اِنتَظَروا الإِيابا
بَلى فَاِرفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ
كَما عَيَّنتَ بِالسَرَبِ الطِبابا
وَهاجَ البَرقُ لَيلَةَ أَذرِعاتٍ
هَوىً ما تَستَطيعُ لَهُ طِلابَ
فَقُلتُ بِحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى
فَهاجَ عَلَيَّ بَينَهُما اِكتِئابا
وَوَجدٍ قَد طَوَيتُ يَكادُ مِنهُ
ضَميرُ القَلبِ يَلتَهِبُ اِلتِهابا
سَأَلناها الشِفاءَ فَما شَفَتنا
وَمَنَّتنا المَواعِدَ وَالخِلابا
إبن الرومي- العصر العباسي
“يا أخي” : أبيات من قصيدة طويلة يعاتب فيها صديقه أبا القاسم الشطرنجي
يا أخي أين رَيْعُ ذاك اللِّقاءِ؟
أين ما كان بيننا من صفاءِ؟
أين مصداقُ شاهدٍ كان يحكي
أنك المخلصُ الصحيحُ الإخاءِ
كشفَتْ منك حاجتي هَنواتٍ*
غُطِّيتْ برهةً بحسن اللقاءِ
تركتْني ولم أكن سَيِّئَ الظن
أسيءُ الظنونَ بالأصدقاءِ
…
يا أخي هَبْكَ لم تهبْ ليَ
من سَعيك حظاً كسائر البُخلاءِ
أَفَلا كان منك ردٌّ جميلٌ
فيه للنّفس راحةٌ من عَناءِ
…
يا أبا القاسم الذي كنت أرجوه
لدهْري قَطَعْتَ مَتْن الرَّجاءِ
…
لا أجازيك من غروركَ إيايَ
غروراً وُقِّيت سُوء الجزاءِ
بل أَرى صِدْقك الحديثَ وما ذاك
لبخلٍ عليك بالإغضاءِ
أنتَ عيني وليس من حق عَيني
غَضُّ أَجفانها على الأقْذاءِ
ما بِأمثالِ ما أتيت من الأمر
يَحُلُّ الفتى ذُرا الْعلْياء
لا ولا يكْسب المحامِد في الناس
ولا يشتري جميلَ الثناءِ
*الهنوات جمع هنة، أي الشيء الزهيد
بدر شاكر السياب- العصر الحديث
مطلع قصيدة أنشودة المطر
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر
أو شُرفتانِ راح ينأى عنهما القمر
عيناكِ حين تبسِمان تورِقُ الكُروم
وترقصُ الأضواء كالأقمارِ في نهر
يرجُّه المجداف وهناً ساعة السَّحر
كأنما تنبضُ في غوريهما النّجوم…
وتغرقانِ في ضبابٍ مِن أسن شفيف
كالبحر سرَّح اليدينفوقه المساء
دفءُ الشِتاء فيه وارتِعاشةُ الخريف..
وتغرقانِ في ضبابٍ مِن أسن شفيف
كالبحر سرَّح اليدينفوقه المساء
دفءُ الشِتاء وارتِعاشةُ الخريف
أتعلمين
أيَ حُزنٍ يبعث المطر
وكيف يشعُرُ الوحيدُ فيه بالضَّياع
كأنَّ طِفلاً باتَ يهذي قبل أن ينام
بأن أُمَّه التي أفاقَ مُنذُ عام .. فلم يجدها
ثُم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: بعدَ غدٍ تعود .. لابدَّ أن تعود
فتستفيقُ مِلءَ روحي نشوةُ البُكاء
ورعشةٌ وحشيةٌ تُعانِقُ السَّماء
كرعشةِ الطِفلِ إذا خافَ مِن القمر